أهم الاخبارمقالات

حين يصبح الحلم مؤيدا للموهبة .

 

بقلم د.محمد جميل الشبيشيري : 

من حي شعبي في دمنهور إلى جائزة نوبل في الكيمياء، لم يكن طريق الدكتور أحمد زويل مفروشًا بالورود. ومن معمل صغير في جامعة الإسكندرية إلى أروقة معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، حمل زويل حلمًا مصريًا كبيرًا لم يكن ليصل مداه لولا التقاط موهبته في سن مبكرة، ومنحها فرصة النمو رغم محدودية الموارد.

أما الدكتور مصطفى محمود، فقد واجه طريقًا مختلفًا، فقد ترك دراسة الطب مبكرًا بعدما أيقن أن شغفه لا يكمن في مشرط الجراحة، بل في عقول الناس وقلوبهم. بدأ من البرامج الإذاعية البسيطة، ثم ارتقى ليصبح أحد أبرز الوجوه الثقافية والفكرية في العالم العربي، بفضل تبنيه لنهج علمي إنساني متكامل يدعو للتفكر، ويربط بين العلوم والدين والفلسفة.

قصتا زويل ومحمود تجسدان كيف يمكن للسياسات التعليمية الداعمة، وإن كانت محدودة في التمويل، أن تفتح الأبواب أمام الموهبة. فزويل تحدث كثيرًا عن أهمية تأسيس “قاعدة علمية عربية” تسير بالعلم من النخبة إلى العامة، داعيًا لتكريس الموارد لتعليم العلوم في مراحل مبكرة، بينما أسس مصطفى محمود “مركزًا للبحوث” ومسجدًا وعيادات مجانية لخدمة الفقراء، مجسدًا الربط بين الفكر والعمل الاجتماعي.

وتمامًا كما شددت النائبة البرازيلية تاباتا أمارال على أن الفقر لا ينبغي أن يحدد سقف الأحلام، أدرك زويل أن الموهبة تحتاج إلى بنية تحتية حقيقية: “التميّز لا يصنعه الفرد وحده، بل تصنعه بيئة تؤمن بالعلم”. ودعا في سنواته الأخيرة إلى إصلاح جذري في نظم التعليم العربي، يبدأ بتغيير العقلية وليس فقط المناهج.
ومن منطقة الخليج، يبرز مثال الشاب الكويتي الدكتور فهد الدبيس، الحاصل على الدكتوراه في الهندسة الطبية من جامعة “جونز هوبكنز”، والذي اخترع تقنيات طبية تُستخدم حاليًا في مستشفيات عالمية. نشأ فهد في بيئة مشجعة للعلم، وكان من أوائل من التحقوا ببرامج الموهوبين في الكويت، مما مكّنه من الانطلاق نحو التعليم العالي العالمي وتحقيق إنجازات لافتة.

إنّ القصص الفردية التي تُروى عن هؤلاء العلماء العرب ليست معجزات، بل دروس ملهمة: كيف نبني مؤسسات تتعرف على الموهبة في الأحياء الشعبية؟ كيف نحول “الحق في الحلم” إلى سياسات قابلة للتنفيذ؟ كيف نجعل من اكتشاف الذات العلمية والثقافية رحلة جماعية لا حظًا فرديًا؟

حينما يصبح تعليم الأطفال، ورعايتهم فكريًا وماديًا، أولوية، يصبح بإمكان العالم العربي أن يخرج من ظلال التفاوت الاجتماعي إلى آفاق الإنجاز العلمي والإنساني. وقد حان الوقت لتكون هذه النماذج ليست استثناءات ملهمة، بل نتيجة طبيعية لرؤية تؤمن أن كل طفل عربي يمكنه أن يكون زويلًا جديدًا… أو مصطفى محمود آخر… أو فهدًا يخطّ اسمه في سجلّ المبدعين، إذا ما أُتيحت له الفرصة، واحتُضنت موهبته، ووُضع على طريق العلم مبكرًا، في بيئة تُؤمن به وتدعمه وتُرشده، بدل أن تُطفئ شعلته قبل أن تتقد.

فالعقول النابغة لا تولد في بيئة بعينها، بل تُصقل بالفرص، وتُصنع بالإيمان والإرادة والتوجيه.
وكل مدرسة، وكل بيت، وكل مؤسسة في عالمنا العربي مدعوة لأن تكون ورشة لصناعة الأمل… ومصنعًا للعباقرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى