منوعات

حرفيان: 200 مهنة تقليدية اندثرت في الكويت والعشرات تكافح للبقاء والدعم والاهتمام يعيدان إحياءها

الكويت – غلوبل – بعناية ودقة يتفحص حسين البزاز مجسما غير مكتمل لسفينة خشبية (بوم) مثبتة على طاولة ديوانيته ويلتفت يمينا ويسارا جالسا القرفصاء كي لا يهدد هذه “التحفة” بعد مرور شهر ونصف الشهر على بداية صنعها منهمكا بأدق التفاصيل حتى التأمت عشرات القطع والمواد الأولية المنتقاة بعناية فائقة.

وقال البزاز (أبو وليد 74 عاما) لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء إن تصنيع السفن الخشبية تاريخيا من أعرق المهن الكويتية توارثتها الأجيال على مدى قرون وبقيت رمزا لازدهار تجارة البلاد ودليلا على موقعها الحيوي على خطوط التجارة العالمية فهذه السفن مزيج مركب يجمع براعة الكويتيين في التجارة وفي الوقت نفسه حرفتهم العالية في الصناعة. وأضاف أن هندسة السفن الخشبية أو ما يسمى بـ(القلافة) تندرج حاليا ضمن الحرف التقليدية المهددة بالاندثار لصعوبة انتقالها بين الأجيال فباتت هواية للمتقاعدين غير القادرين على نقل ما توارثوه من خبرات من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد.

وأشار إلى أنه تعلم “القلافة” من والده عندما كان صغيرا في حين يعمل ابنه حاليا طبيبا ولا يملك الوقت ولا الظروف لتعلم هذه الحرفة بسبب سرعة وتيرة الحياة التي فرضتها والمتطلبات اليومية والعصرية.

وعن قرار مجلس الوزراء الأخير بدعم العمالة الوطنية لأصحاب الأعمال الحرة والأنشطة ذات الطبيعة الخاصة ودوره في وقف اندثار هذه الحرف من خلال تشجيع الشباب للاقبال عليها وتعلمها أفاد بأن القرار عامل محفز ومهم إلا أن وقف اندثار المهن التقليدية يحتاج إلى أكثر من دعم مالي وتمويل فقط لاسيما أن بعض المهن لم يبق من ممارسيها سوى شخص واحد كمهنة (السفاف).

وأكد البزاز ضرورة وجود ورشات عمل إضافة إلى وجود دعم عمالة للشباب الراغبين في إحياء هذا الموروث من الحرف وتشجيعهم ونقل المعرفة والخبرة اللازمة لهم من خلال برامج تدريب واهتمام حكومي كبير تشارك فيه معظم المؤسسات الحكومية مشيرا إلى وجود تجربة رائدة في هذا المجال متمثلة في تبني تدريب نزلاء السجن المركزي لبعض هذه الحرف.

وذكر أنه خلال مشاركته في الكثير من المعارض التقى بمشاركين من الشباب الكويتيين المتعلمين يقومون بهذه الحرفة كهوايات تعلموها من أجدادهم وآبائهم يمارسونها كهواية إلى جانب وظيفتهم مبينا أن ذلك مدعاة للتفاؤل باهتمام الشباب بهذه الحرف كمهن ومصدر رزق لهم في حال توفير الحكومة للمردود المالي واحتضان حرفهم وأعمالهم وتبينها تدريبهم بشكل مستمر.

من جانبه أعرب رئيس جمعية الحرفيين الكويتيين سلمان بولند عن أمله أن يشمل قرار مجلس الوزراء بدعم العمالة الوطنية من أصحاب الأعمال الحرة متناهية الصغر والأنشطة ذات الطبيعة الخاصة أصحاب الحرف التقليدية الكويتية ويعيد إحياءها وإيقاف اندثار بعضها مصحوبا بجملة من الإجراءات الحكومية الممكنة لهؤلاء الحرفيين للتحول من هواية إلى وظيفة دائمة.

وقال بولند لـ (كونا) إن نحو 200 حرفة تقليدية اندثرت في الكويت خلال السنوات التي أعقبت ظهور النفط فيما تكافح عشرات الحرف الأخرى للبقاء من خلال اعتمادها على التجارة وبيع ممتهنيها منتجاتهم اليدوية في المنافذ المحدودة كالمعارض أو الأسواق الشعبية أو حتى عن طريق المعارف الشخصية.

وأوضح أن المنتجات الحرفية اليدوية تحتاج وقتا وجهدا وتكاليف عالية بسبب المواد الأولية الداخلة في تصنيعها والدقة العالية المطلوبة لإنجازها علاوة على صعوبة بيعها الذي هو مصدر الدخل الوحيد لأصحاب هذه المهن مشيرا إلى أن هذه التعقيدات تجعل محفزات استمرار الحرفة ونقلها بين الأجيال مهمة صعبة جدا تتطلب تدخلا حكوميا بأوجه عدة لاستمرارها.

وبين أن دعم العمالة لهذه الأعمال الحرة متناهية الصغر قد يكون عاملا إضافيا لمنع اندثار حرف تقليدية عبر تشجيع شريحة من الشباب لامتهانها لمجرد إحساسهم بالاستقرار والأمان المالي والوظيفي مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة وجود عوامل إضافية داعمة لهم كتبني برامج تدريب وتخصيص أماكن للمعارض لتصريف منتجاتهم وبيعها فضلا عن تنظيم ورش عمل. وأشار إلى تجربة دول شقيقة في تخصيص أراض و(بوثات) للحرفيين لبيع منتجاتهم بما فيها تخصيص أماكن للحرفيات النساء فقط من خلال رسوم بسيطة تتراوح ما بين 5 و10 في المئة من مبيعات الحرفيين علاوة على تخصيص أماكن في المطارات لمنتجات هذه الحرف التي يرغب بها السائحون كهدايا تذكارية.

وقال بولند إن الحرف التي أبدعها الآباء والأجداد شكلت مهنا مشرفة ورمزا للهوية الوطنية وجزءا من التراث والتاريخ لاسيما أنها جسدت مهارات يدوية وعقلية ووجدانية عكست الحياة البرية والبحرية في الكويت مشيرا إلى أن من هذه المهن إضافة إلى القلافة حياكة السدو وخياطة البشوت التي تمثل الزي الوطني إضافة إلى صياغة وتشكيل الذهب والخزف والفخار وغيرها.

ورأى أن اعتماد دعم عمالة للشباب الراغبين في احتراف هذه المهن قد يعيد الحياة إليها ويعطي مؤشرا بعودة اهتمام بها يمكنها من البقاء رغم المنافسة القوية من الصناعات المستوردة والعزوف عن هذه الحرف وكلها عوامل هددت استمرار هذه المهن وجعلتها في مهب التحدي بين المعاصرة والتراث. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى